التجارة الإلكترونية في السعودية: من قطاع ناشئ إلى محرك اقتصادي بقيمة 29 مليار دولار
من المتوقع أن تصل قيمة سوق التجارة الإلكترونية في السعودية إلى 29 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12% اعتباراً من 2025. هذا القطاع الذي كان يُعد ناشئاً أصبح اليوم عنصراً أساسياً في استراتيجية المملكة لتنويع الاقتصاد، مدفوعاً بالتحول الرقمي، الابتكار في التكنولوجيا المالية، ودعم حكومي واضح.
انتشار الإنترنت بنسبة 99% وهيمنة الهاتف المحمول يدعمان نمو التجارة الإلكترونية
الاتصال لم يعد رفاهية في السعودية—بل أصبح ركيزة أساسية للتجارة. مع وصول نسبة انتشار الإنترنت إلى 99% ووجود أكثر من 48.1 مليون اتصال عبر الهواتف المحمولة، أصبحت المملكة جاهزة لثورة في التسوق الرقمي. التسوق عبر الهاتف يقود السوق، حيث يتم تنفيذ 65% من المعاملات من خلال التطبيقات، في ظل تفضيل المستهلكين للسهولة والسرعة. واستجابت المنصات الكبرى مثل Noon وShein لهذه التوجهات باستراتيجيات تركّز على الهاتف أولاً.
قفزة في المدفوعات الرقمية: 10.8 مليار معاملة في 2023
أسلوب التعامل المالي في السعودية يشهد تحوّلاً جذرياً. مع انتشار المحافظ الرقمية وتقنيات "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" (BNPL)، سجّل نظام المدفوعات الوطني 10.8 مليار معاملة في عام 2023، بزيادة 24% مقارنة بالعام السابق. ورغم أن المدفوعات عبر البطاقات لا تزال تمثل 45% من المعاملات الإلكترونية، إلا أن الحلول البديلة تزداد شعبية، مما يمهّد الطريق نحو بيئة تجزئة رقمية متكاملة وسلسة.
426 مليون دولار من رأس المال الجريء تدفع عجلة التوسع في التجارة الإلكترونية
الاستثمار في الشركات الناشئة بمجال التجارة الإلكترونية في السعودية لا يتسارع فحسب، بل يُحطم الأرقام القياسية. حيث بلغ إجمالي تمويل رأس المال الجريء في القطاع 426.7 مليون دولار خلال عام 2023، ما ساهم في طفرة دخول لاعبين جدد إلى السوق. كما ارتفع عدد المتاجر الإلكترونية المرخصة إلى 35,314 متجراً، بزيادة 23% مقارنة بعام 2020. وتُشير التقديرات إلى أن الإيرادات قد تصل إلى 56.2 مليار دولار بنهاية عام 2024، مما يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتجارة الرقمية.
فرص النمو: توصيل الطعام يعيد تشكيل سلوك المستهلك
الازدهار في التجارة الإلكترونية لا يقتصر على الأزياء والإلكترونيات—بل يشمل أيضاً قطاع توصيل الطعام والمواد الاستهلاكية، الذي يشهد نمواً متسارعاً. تُسيطر منصتا Hungerstation وJahez على 67% من الحصة السوقية، مدعومتين بارتفاع الطلب وابتكار تقني في تجربة المستخدم. سجلت Jahez نمواً بنسبة 31% في إجمالي حجم المبيعات في أوائل 2024، متجاوزة 50 مليون طلب. ومع دخول شركات ناشئة مثل Keeta وNinja، وتوقيع شراكات جديدة في مجال الخدمات اللوجستية، أصبح توصيل الطعام عنصراً حاسماً في مستقبل التجارة الإلكترونية السعودية.
التحديات اللوجستية: العقبة الخفية أمام نمو السوق
رغم التسارع الكبير في التجارة الإلكترونية، لا تزال الخدمات اللوجستية تشكل تحدياً حقيقياً. المساحات الجغرافية الواسعة والبنية التحتية المحدودة للتخزين تؤدي إلى تعقيدات في التوصيل، خاصة في المرحلة الأخيرة (last-mile delivery)، مما يزيد من التكاليف التشغيلية. ويواجه هذا التحدي بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تسعى إلى مواكبة متطلبات السوق من حيث سرعة وموثوقية التسليم. التغلب على هذه الفجوات سيكون ضرورياً لضمان استدامة النمو.
المستقبل رقمي: 80% من المعاملات ستكون إلكترونية بحلول 2030
رغم النمو السريع، لا تزال التجارة الإلكترونية تمثل فقط 18% من إجمالي المبيعات في السعودية حالياً. لكن هذا الرقم مرشح للارتفاع بشكل كبير، حيث يُتوقع أن تُشكّل المعاملات الرقمية 80% من جميع عمليات الشراء بحلول 2030. وتدعم الحكومة هذا التحوّل عبر مبادرات لتسريع الابتكار في التكنولوجيا المالية، وتطوير البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
مع تسارع المملكة نحو تحقيق أهداف "رؤية 2030"، ستكون التجارة الإلكترونية في قلب هذا التحوّل، فاتحةً آفاقاً جديدة أمام الشركات والمستثمرين والمستهلكين على حد سواء.