قطاع التجزئة في السعودية نحو 408.7 مليار دولار: التجارة الإلكترونية والسياحة تقودان النمو
من المتوقع أن يتوسّع سوق التجزئة في المملكة العربية السعودية من 270.8 مليار دولار في عام 2024 إلى 408.7 مليار دولار بحلول عام 2033، مدفوعًا بنمو التجارة الإلكترونية، وتطور الخدمات اللوجستية، وتغير تفضيلات المستهلكين. ومع توقع أن تشكل التجارة الإلكترونية 46% من إجمالي مبيعات التجزئة بحلول 2030، تتسابق الشركات للاستثمار في التخصيص القائم على الذكاء الاصطناعي، واستراتيجيات القنوات المتعددة، وتجارب التسوق التفاعلية. في هذا التقرير، نستعرض كيف تشكّل اتجاهات سوق التجزئة السعودي مشهده في عام 2025.
التجارة الإلكترونية تستحوذ على 46% من السوق وتعيد تشكيل استراتيجيات البيع بالتجزئة
أصبح الخط الفاصل بين التسوق الرقمي والفعلي يتلاشى مع تحول التجار إلى نماذج القنوات المتكاملة. وبحلول 2030، يُتوقع أن تمثل التجارة الإلكترونية 46% من قطاع التجزئة السعودي، بفضل انتشار الهواتف الذكية وابتكارات الدفع السلس. وتتجه كبرى الشركات إلى تعميق التخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي، لضمان تكامل تام بين المتاجر الإلكترونية والفروع الفعلية. وتُجسّد منصة "Zid" من خلال مفهوم "التجارة الشاملة" هذا التحوّل، حيث تساعد الشركات على تحسين التوزيع عبر القنوات المختلفة وتعزيز استراتيجيات التفاعل مع العملاء.
التخصيص وتجربة التسوق التفاعلية تعيدان تعريف علاقة المستهلك بالتجزئة
لم يعد التسوق في السعودية مجرّد عملية شراء، بل أصبح تجربة تعكس الهوية والقيم الشخصية. المستهلكون باتوا يبحثون عن منتجات تتماشى مع مبادئهم، ما يدفع العلامات التجارية نحو تقديم عروض مخصصة. يشهد الطلب على الأزياء المحتشمة والأغذية الحلال والتسوق المعزز بالواقع الافتراضي (AR) تزايدًا ملحوظًا، ما يغيّر سلوك الشراء. ففي مارس 2025، أعلنت شركة "تنمية" شراكة مع "Griffith Foods" لتوسيع منتجاتها الحلال، مما يعكس قدرة القطاع على الاستجابة لتغيرات السوق.
ازدهار لوجستي بقيمة 52.7 مليار دولار يعزز الكفاءة والسرعة
تعتمد نجاحات قطاع التجزئة بشكل كبير على سلاسة سلاسل الإمداد، ويشهد قطاع الخدمات اللوجستية في السعودية توسعًا لمواكبة الطلب المتزايد. فقد بلغ حجم السوق 52.7 مليار دولار في 2024، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.9% حتى 2033، حيث تعمل الشركات على تحسين شبكات التوزيع وخدمات التوصيل في الميل الأخير.
وتستفيد سلاسل السوبر ماركت الكبرى مثل "كارفور" و"لولو هايبرماركت" من هذا النمو، عبر تطوير إدارة المخزون وتطبيق نماذج "اشتر واستلم"، لتلبية تطلعات المستهلكين لتجربة تسوق سلسة وسريعة.
أثر السياحة البالغ 836.1 مليار ريال يدفع التوسع في قطاع التجزئة
ترتبط اتجاهات سوق التجزئة السعودي ارتباطًا وثيقًا بصناعة السياحة المتنامية. فقد ساهم قطاع السفر والسياحة في عام 2023 بـ444.3 مليار ريال (118.45 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي، ووفّر 2.5 مليون وظيفة، معززًا الطلب على العلامات الفاخرة والعالمية. ومن المتوقع أن يصل التأثير الاقتصادي للقطاع إلى 836.1 مليار ريال بحلول عام 2034.
تدفع الحكومة باتجاه سياحة مدفوعة بالترفيه من خلال الفعاليات والمشاريع الكبرى مثل "نيوم" و"بوليفارد الرياض"، مما يرفع معدل الإقبال على المراكز التجارية ويؤثر في سلوك المستهلكين.
هيمنة شمال ووسط السعودية على مشهد التجزئة
تتصدّر المناطق الشمالية والوسطى، خاصة الرياض، توسّع سوق التجزئة في المملكة، بفضل مراكز التسوق الفاخرة والمولات الكبرى مثل "رياض بارك" و"غرناطة مول". وتستفيد هذه المناطق من مستويات دخل مرتفعة واستثمارات ضخمة في البنية التحتية.
وتُعزز مبادرات "رؤية 2030" مثل "القدية" و"حي المال والأعمال" من مكانة العاصمة كمركز تجزئة وطني، فيما تستثمر الشركات في الاستفادة من قاعدة المستهلكين الثرية، لضمان استمرار الهيمنة السوقية.
الذكاء الاصطناعي والتقنية يعيدان رسم تجربة التسوق
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تطوير تجربة التسوق، من روبوتات الدردشة إلى التحليلات التنبؤية. وفي أكتوبر 2024، أطلقت "Gupshup" نموذجها اللغوي التفاعلي ACE LLM، المخصص للأعمال السعودية، والذي يتيح تخصيصًا باللغة العربية وتفاعلًا يتماشى مع الثقافة المحلية.
يعتمد التجار بشكل متزايد على التنبؤ الذكي بالمخزون والتسعير الديناميكي، مما يمنحهم ميزة تنافسية ويعزز ولاء العملاء ويحسّن العروض الموجهة.
المشهد التنافسي في قطاع التجزئة: الابتكار والتوسّع
مع اشتداد المنافسة، تتغير استراتيجيات كبار تجار التجزئة، حيث يجمعون بين التوسع الفيزيائي والتحسين الرقمي. ففي مارس 2025، أطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة "الواحة للأسواق الحرة"، لتكون أول كيان سعودي في تجارة التجزئة المعفاة من الجمارك، بهدف إبقاء إنفاق المسافرين داخل المملكة.
وأعلنت "أبل" عن خططها للتوسع، بدءًا من إطلاق متجر إلكتروني في 2025، يليه افتتاح متاجر فعلية في 2026، ما يعكس ثقة متزايدة في إمكانات السوق السعودي.
خاتمة: مستقبل التجزئة في السعودية يتشكّل الآن
يقف قطاع التجزئة السعودي عند نقطة تحوّل محورية — يحتضن التحول الرقمي، ويتأقلم مع التحولات الديموغرافية، ويستفيد من برامج التنويع الاقتصادي. وبينما يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل التفاعل مع المستهلك، وتغذّي السياحة الطلب على المنتجات الفاخرة، وتُسرّع الخدمات اللوجستية من التوصيل، فإن السوق مهيّأ لمزيد من الزخم.
ومع اقتراب الوصول إلى 408.7 مليار دولار، فإن التجار الذين يتبنون الابتكار ويضعون المستهلك في صميم استراتيجياتهم هم من سيقودون المرحلة المقبلة من تطور قطاع التجزئة في المملكة.
