نظرة عامة
لم يعد سوق تطبيقات التوصيل في السعودية مجرد وسيلة للراحة، بل أصبح صناعة ذات رهانات عالية تعيد تشكيل الاقتصاد الرقمي في المملكة. مع وصول انتشار الهواتف الذكية إلى 134.1% من إجمالي السكان، تجد منصات التوصيل أرضًا خصبة للتوسع. من المتوقع أن يرتفع حجم السوق إلى 17.05 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، أي ما يقارب ضعف حجمه في عام 2025 البالغ 8.33 مليار دولار، مدفوعًا بتبني التجارة الإلكترونية والاستثمارات الأجنبية الاستراتيجية.
الاتصال المحمول يُشعل طفرة صناعية
كل شيء يبدأ بلمسة واحدة — تفاعل سلس بين المستخدم والتطبيق. مع تسجيل 49.89 مليون اتصال محمول في أوائل عام 2024، تبنت السعودية مفهوم الراحة الرقمية بشكل استثنائي. ومع وصول نسبة استخدام الإنترنت إلى 99%، تمكنت تطبيقات مثل "طلبات"، و"HungerStation"، و"جاهز" من تحسين الخدمات اللوجستية وتخصيص التجربة باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما جعل عملية الطلب أكثر سهولة. وفي بيئة تنافسية كهذه، تتفوق الشركات التي تستثمر في التتبع الفوري، وأنظمة المخزون الآلي، وتحليلات المستهلك التنبؤية.
الاستثمارات والاستحواذات تُعيد رسم ملامح السوق
السوق لا يشهد نموًا فحسب، بل يشهد أيضًا اندماجات. فقد استحوذت شركة "Delivery Hero SE" على النسبة المتبقية (37%) من "HungerStation" مقابل 297 مليون دولار، مما يعكس تصاعد حدة المنافسة. وفي المقابل، دخلت شركة "Meituan" الصينية سوق الرياض في أبريل 2024، في إشارة إلى الاهتمام العالمي المتزايد بسوق توصيل الطعام في السعودية. كما يتجه السوق نحو نموذج "المطابخ السحابية"، والذي تقوده شركة "Rebel Foods" التي أطلقت خطة توسع بقيمة 100 مليون دولار لتلبية الطلب المتزايد.
المدفوعات الرقمية تُعزز التوسع
النقد في تراجع سريع. سجل القطاع المالي السعودي مدفوعات عبر الهاتف المحمول بقيمة 19.5 مليار ريال سعودي في أغسطس 2023، بزيادة مذهلة بلغت 18% عن العام السابق. ويهدف برنامج التحول الوطني للوصول إلى نسبة 70% من المعاملات غير النقدية بحلول عام 2025، مما يُعيد تشكيل مشهد التجارة الرقمية. وتُسهم خدمات "اشتر الآن وادفع لاحقًا" مثل "تمارا" وشركات التكنولوجيا المالية مثل "HyperPay"، التي تستعد للإدراج في البورصة، في جعل المعاملات أكثر سلاسة وتعزيز ثقة العملاء في الطلب عبر التطبيقات.
تطبيقات توصيل البقالة تقود توقعات النمو
رغم أن توصيل الطعام لا يزال مهيمنًا، فإن قطاع توصيل البقالة هو الأسرع نموًا. من المتوقع أن ينمو هذا القطاع بنسبة 18% بين عامي 2024 و2029، مدفوعًا بسهولة التسوق الحضري والخدمات اللوجستية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ويستجيب القطاع لهذا النمو عبر خدمات توصيل مجدولة، وأنظمة مخزون دقيقة، وتحسين مسارات التسليم، لضمان وصول المنتجات الطازجة بجودة عالية. ومع انتقال المزيد من المستهلكين إلى التسوق بلمسة واحدة، تعمل تطبيقات التوصيل على توسيع نطاق خدماتها لتتجاوز الطعام فقط.
رؤية السعودية 2030: خارطة طريق للبنية التحتية الرقمية
تسعى رؤية السعودية 2030 إلى رقمنة 80% من قطاع التجزئة، مما يُعزز مكانة سوق تطبيقات التوصيل كركيزة أساسية في التحول الاقتصادي للمملكة. ورغم معدل التضخم البالغ 2.47% في عام 2022، لا يزال القطاع يُظهر مرونة، من خلال استراتيجيات كفاءة التوصيل في الميل الأخير، وشراكات التكنولوجيا المالية، وقنوات التوزيع المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ويضمن التوجه الحكومي نحو التجارة الإلكترونية نموًا مستدامًا رغم التحديات الاقتصادية العالمية.
المشهد التنافسي: العمالقة المحليون في مواجهة الوافدين العالميين
لا تنوي الشركات المحلية التراجع. فـ "جاهز"، و"HungerStation"، و"طلبات" تواصل الهيمنة من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في اللوجستيات، وتطوير أنظمة الدفع، وتنفيذ استحواذات استراتيجية. ومع إعادة تعريف استراتيجيات التوصيل من خلال المتاجر السوداء والمطابخ السحابية، يتشكل سوق ديناميكي شديد التنافس. وسيُقاس النجاح ليس بالحجم فقط، بل بالابتكار التكنولوجي والمرونة التشغيلية.
لم يعد سوق تطبيقات التوصيل السعودي مجرد اقتصاد راحة، بل أصبح محركًا للتحول الرقمي، يُعيد تعريف كيفية تفاعل المستهلكين مع العلامات التجارية والخدمات. وبحلول عام 2030، ومع تقاطع المدفوعات عبر الهاتف المحمول، واللوجستيات الذكية، وحلول التجارة الإلكترونية، سيكون هذا السوق بمثابة دليل حي على التطور التكنولوجي السريع في المملكة.
